العظة والعبرة من مرور الأيام والأعوام، للدكتور خالد بدير
إننا لو نظرنا إلى الأيام والليالي والأعوام لوجدناها تمر وتنصرم كالبرق الخاطف؛ فقد كنا بالأمس القريب نحتفي ونحتفل بذكرى الإسراء والمعراج؛ وبعدها حادث تحويل القبلة وبعدها كيف نستقبل رمضان؟! واليوم ونحن نودع شهر رمضان؛ وبعد أيام قلائل نحتفل بالعشر الأوائل من ذي الحجة؛ ثم الهجرة؛ وهكذا دواليك تفعل بنا الأيام والليالي !!!
ها هي الأيام تمضي بنا سريعاً نحو انقضاء الشهر الفضيل، فما أسرع مرور الأيام وتعاقب الأزمان، وإنها لآية للمعتبرين، وذكرى للذاكرين، وها هي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك تتراءى في الأفق مئذنة برحيل شهر انتظرناه، فكم كنا بلهفة واشتياق لاستقباله والأُنس بأيامه ولياليه، عقدنا الآمال فيه لزيادة الطاعات والقربات، ومحو الذنوب والسيئات، فيا سعادة من فاز بالقرب من ربه بكثرة الطاعات والقربات، ويا خسارة من تعلق بحبل الآمال وترك شريف الأعمال، وانشغل بالملهيات عن خير الليالي والأيام!!
إن أعماركم بضعة أيام تقضونها ؛ قال الحسن البصري: “يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك”. وقال: “يا ابن آدم، نهارك ضيفك فأحسِن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك، وإن أسأت إليه ارتحل بذمِّك، وكذلك ليلتك”. وقال: “الدنيا ثلاثة أيام: أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غداً فلعلّك لا تدركه، وأما اليوم فلك فاعمل فيه”. أرأيت يا أخي: لو أن أنسانا سافر من مدينة إلى أخرى، فإنه كلما قطع مسافة سوف تقصر المسافة التي بينه وبين تلك المدينة التي يريد الذهاب إليها ؟!! أرأيت إلى هذا التقويم الذي نضعه فوق مكاتبنا في بداية كل عام، إنه مليء بالأوراق، وفي كل يوم نأخذ منه ورقة واحدة فقط، وفي نهاية العام لا يبقى منه إلا الجلدة فقط.
دَقَّـــــــــــــــــــاتُ قلبِ المرءِ قائلة ٌ له: …………إنَّ الحياة َ دقائقٌ وثواني فارفع لنفسك بعدَ موتكَ ذكرها ……….فالذكرُ للإنسان عُمرٌ ثاني منذ رمضان الماضي مضى عام؛ والمتأمل المتبصر يعلم أنه قد نقص من عمره عام، ماذا؟!!! نعم نقص من عمره عام، فقد يظن البعض أن عمره زاد عاماً؛ وهو يفرح بزيادة عمره ولا يدري المسكين أن عمره نقص عاماً؛ فالعام الماضي كنت أبلغ تسعاً وثلاثين سنة، وهذا العام قد بلغت الأربعين فزاد عمري، نقول: لا، بل نقص عمرك؛ لأنه قد علم أن أجل الإنسان محدد قبل أن ينزل إلى هذه الدنيا، كما في الحديث “يجمع خلق أحدكم في بطن أمه….” وفيه “فيؤمر الملك بكتب أربع كلمات: ومنها أجله.” (البخاري ومسلم). إذاً فأجل الإنسان معلوم ومحدد، فالذي ينظر بعين البصيرة يعلم أن عمره قد نقص كلما مر عليه عام .
وقد كان السلف الصالح رحمهم الله، يجعلون من مرور الأيام والسنين مدكراً ومزدجراً، فكانوا يستحيون من الله أن يكونوا اليوم على مثل حالهم بالأمس، وقال بعضهم: كيف يفرح من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره؟! كيف يفرح من عمره يقوده إلى أجله، وحياته تقوده إلى موته ؟! فعليكم بالعمل فإن اليوم الذي يذهب لا يعود ؛ يقول الحسن رحمه الله : ” ما من يومٍ ينشق فجره، إلا نادى منادٍ من قبل الحق: يا ابن آدم! أنا خلقٌ جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود فيّ بعملٍ صالح؛ فإني لا أعود إلى يوم القيامة”.
لذلك كان الصالحون لا يندمون إلا على فوات الوقت الذي لم يرفعهم درجة، قال ابن مسعود: “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي”. فاحرص على اغتنام الفرصة ولا تضيع وقتك فيما لا يفيد؛ قال ابن القيم: “إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها”.
وقال السري بن المفلس: “إن اغتممت بما ينقص من مالك، فابكِ على ما ينقص من عمرك”.
فكل يوم يمر عليكم تزدادون بعدا من الدنيا وقربا من الآخرة فاعملوا وتزودوا لها ؛ قال علي بن أبي طالب: ارتحلت الدنيا مدبرة ؛ وارتحلت الآخرة مقبلة ؛ ولكل واحدة منهما بنون؛ فكونوا من أبناء الآخرة؛ ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل . وروي أنّ أبا بكرة دخل على معاوية رضي الله عنهما فقال : اتق الله يا معاوية ، واعلم أنّك في كلّ يوم يخرج عنك ، وفي كلّ ليلة تأتي عليك ، لا تزداد من الدنيا إلاّ بعداً ، ومن الآخرة إلاّ قرباً ، وعلى أثرك طالب لا تفوته ، وقد نصب لك علماً لا تجوزه ، فما أسرع ما تبلغ العلم ، وما أوشك ما يلحق بك الطالب ، وإنّا وما نحن فيه زائل ، وفي الذي نحن إليه صائرون باق ، إن خيراً فخير ، وإن شرّاً فشرّ .
فاتقوا الله – عباد الله- واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، وحاسبوا أنفسكم عند وداع شهركم، وتوبوا إلى ربكم توبة نصوحاً، ومن كان منكم أحسن فيما مضى من أيامه، فليحمد الله على ذلك، ويستمر عليه إلى الممات، ومن كان مفرطاً في شيءٍ من الواجبات، أو مرتكباً لشيء من المحرمات فليتب إلى ربه، ويندم على فعله، ويقلع عن معصيته، ويعزم على ألا يعود إليها في مستقبل أيامه وأعوامه. كتبه : خادم الدعوة الإسلامية د / خالد بدير بدوي
جعل الله هذا الجهد زخرا لك في ميزان حسناتك……..